الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام الأولين والآخرين،
وقائد الغُرِّ المُحجَّلين، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين، أما بعد؛
عالج همومك بالصلاة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...
فإن الصلاة من أعظم أسباب السعادة والطمأنينة والهدوء وراحة البال، ولذلك فقد جعلت قرة عين النبي صل الله عليه وسلم في الصلاة، وقرة العين فوق المحبة، فإنه ليس كل محبوب تقر به العين، وإنما تقر العين بأعلى المحبوبات وهو الله سبحانه وتعالى وما يقرب إليه، والصلاة من أعظم ما يقرب إلى الله تعالى، ومن أعظم ما يريح النفس ويسعدها.
وكان النبي صل الله عليه وسلم يقول لبلال: «يا بلال أرحنا بالصلاة» [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
فيا أيها المحزون الذي أثقلته الهموم: راحتك في الصلاة..
ويا أيها القلق الذي سيطر عليه الخوف: أمنك في الصلاة..
ويا من ضاق صدره، وانكسف بالهُ، واضطرب فؤاده: سعادتك في الصلاة.
وأنت أخي السجين..يا من تقاسي من فقد الأهل والأحباب: راحة قلبك وهدوء بالك في الصلاة.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) [الحجر: 97-99].
كيف تشكو الوحدة أخي والصلاة خير أنيس..
كيف تشكو الوحشة والله تعالى جليس من ذكره، وأنيس من ناجاه!
من مثلك أخي.. تدخل على ملك الملوك في أي وقت تشاء دون استئذان من أحد.. فلا حُجّاب ولا حُرّاس.. وأنت الذي تقرر إنهاء الزيارة أو تمديدها.. فالباب مفتوح.. والخير ممنوح.. قال تعالى في الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))قال: حمدني عبدي..
فإذا قال: ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))
قال الله: أثنى علي عبدي..
فإذا قال: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ))
قال الله: مجدني عبدي.
فإذا قال: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))
قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل.
فإذا قال:((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ))
قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل»[رواه مسلم].
ومن هذا قول النبي صل الله عليه وسلم: «يا بلال! أرحنا بالصلاة» فأعلم بذلك أن راحته صل الله عليه وسلم في الصلاة، كما أخبر أن قرة عينه فيها.
فأين هذا من قول القائل: نصلي ونستريح من الصلاة! فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة، والغافل المعرض ليس له نصيب من ذلك، بل الصلاة كبيرة شاقة عليه، إذا قام فيها كأنه علي الجمر حتى يتخلص منها، وأحب الصلاة إليه أعجلها وأسرعها، فإنه ليس له قرة عين فيها، ولا لقلبه راحة بها»
الصلاة التي نريد
والصلاة التي نريد ليس هي التي يؤديها كثير من الناس بلا روح ولا خشوع ولا طمأنينة ولا تفكر في معانيها، فإن مثل هذه الصلاة لا تأثير لها في حياة صاحبها، فالمقصود بالصلاة إنما هو تعظيم المعبود، وتعظيمه لا يكون إلا بحضور القلب في العبادة. وقد كان بعض السلف يتغير وجهه خوفا إذا حضرت الصلاة ويقول: أترون بين يدي من أريد أن أقف؟ فإذا أردت استجلاب حضور قلبك الغائب، ففرغه من الشواغل ما استطعت.
فهلا سألت نفسك أخي: ماذا كتب لك من صلاتك؟ بل هلا سألت نفسك هل قبلت صلاتك أم لا؟ .
قال النبي صل الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت، صلح سائر عمله وإن فسدت، فسد سائر عمله»[أخرجه الطبراني وصححه الألبانيٍ].
فالصلاة التي نريد هي الصلاة التي تستجاب بها الدعوات...
الصلاة التي تكشف بها الكربات..
الصلاة التي تنزل بها الرحمات..
الصلاة التي تدفع بها البليات..
الصلاة التي تقرب العبد من رب البريات..
فأين نحن من هذه الصلاة..؟
الصلاة لوقتها
قال الله تعالى: ((إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا{[النساء: 103] وقال تعالى: ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا))[مريم: 59].
قال أحد السلف: أما إنهم ما تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها..
ولقد كان السلف رضوان الله عليهم يعظمون شأن الصلاة، ويهتمون بها أعظم اهتمام، فكانوا يتسابقون إلى المساجد حال النداء، ويحرصون على حضور تكبيرة الإحرام مع الإمام
قال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة!.. وقال: ما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة، يعني أنه لم يصل إلا في الصف الأول منذ خمسين سنة.
وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى!
إن تعظيم شأن الصلاة يكون بأمور:
الأول: رعاية أوقاتها وحدودها.
الثاني: التفتيش عن أركانها وواجباتها وكمالها.
الثالث: المسارعة إليها عند وجوبها.
الرابع: الحزن والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها.
كمن يحزن على فوت الجماعة، ويعلم أنه لو تقبلت منه صلاته منفردا، فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفاً.
وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى، أو فاته الصف الأول.
وكذلك فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الرب تعالى، الذي هو روحها ولبها، فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت ولا روح فيه
من ثمرات الصلاة
وللصلاة أخي الحبيب ثمرات عديدة منها:
- أنها أفضل الأعمال:
لقوله صل الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» [رواه أحمد وصححه الألباني].
- أنها نور في القلب والجوراح:
لقوله صل الله عليه وسلم: «الصلاة نور» [رواه مسلم].
- أنها ماحية للخطايا والسيئات:
لقوله صل الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟».
قالوا: لا يبقى من درنه شيء.
قال: : «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» [متفق عليه].
- أنها رافعة الدرجات:
لقوله صل الله عليه وسلم لثوبان: «عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة»[رواهمسلم].
- أنها سبب للفلاح:
لقوله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{[المؤمنون: 1، 2].
- أنها سبب للنصر:
لقوله صل الله عليه وسلم: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» [رواه النسائي وصححه الألباني].
- أنها منجية من الفواحش والمنكرات:
لقوله تعالى: ((إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))[العنكبوت: 45].
- أنها إغاظة للشيطان:
لقوله صل الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي! أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت، فلي النار» [رواه مسلم].
- أنها مذهبة للخوف والهلع والبخل:
لقوله تعالى: }إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ{[المعارج: 19-22].
- أنها تنجي صاحبها من النار:
فلا إله إلا الله ما أعظم شأن الصلاة.
ولا إله إلا الله ما أعظم ثمرات الصلاة.
ولا إله إلا الله ما أشد حسرة المتهاونين بالصلاة.
إن من أسباب سعادتنا، وحفظ الله لنا، ورغد العيش الذي نعيشه أن نحافظ على عهد الله في الصلاة، وأن نتواصى بها.
فهل من مصل؟
هل من حريص على تلك الشعيرة العظيمة؟
طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة الفجر، ففاتته ركعة واحدة، غلبه الدم، وحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته فقال: هل صليت؟
قالوا: بقي عليك ركعة.
فقام يصلي فأغمي عليه، ثم عقد الصلاة فأغمي عليه، وهكذا حتى أتم الركعة.
فقال: الحمد لله الذي أعانني على الصلاة.
الله الله في الصلاة.. أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة
قال الإمام أحمد رحمه الله: إنما حظهم – أي الناس- على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة.
ترك المحرمات
والصلاة الحقيقية ناهية لصاحبها عن الوقوع فيما حرم الله تعالى، ولن يستمر المصلي على معصية ما دام يؤدي الصلاة عبادة لله وعلى الصفة المشروعة.
نسأل الله أن يجعلنا من المحافظين على الصلاة، الذين هم في صلاتهم خاشعون،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
من كتاب عالج همومك بالصلاة