لطالما تعارف العلماء أن أسراب الطيور تتخذ شكل "الثمانية" أثناء طيرانها لتوفير طاقتها، فتتمكن من استكمال رحلات الهجرة الطويلة من مكان إلى آخر أو من قارة إلى أخرى، ولكن دون معرفة الآلية التي تلجأ إليها الطيور في سبيل الحفاظ على طاقتها. وفي أول تجربة عملية لفهم هذه الآلية زود علماء من الكلية الملكية للطب البيطري بلندن سربا من طيور "أبو منجل الأقرع الشمالي" المهدد بالانقراض بأجهزة دقيقة وحديثة لتسجيل بيانات السرعة والموقع والاتجاه لكل طائر من السرب كل عدة ثوان أثناء طيرانه من النمسا إلى إيطاليا. وبقراءة البيانات الخاصة بطيران هذا السرب تأكد للعلماء أن الطيور تتخذ مواقعها في السرب أثناء الطيران كل طائر على مسافة متر واحد للخلف ومتر واحد للجانب من الآخر؛ وذلك في محاولة للاستفادة من دوامات الهواء التي تتكون عند طرف جناح كل طائر إثر خفقان الأجنحة.
ووجد العلماء أن الأمر لا يتعلق فقط بموقع كل طائر في السرب أو باستغلاله لتيار الهواء الصادر عن خفقان جناح الطائر الذي يسبقه واتجاهه إلى أعلى بحيث يرفعه ليقلل من استهلاك الطاقة فحسب، وإنما يتعلق بضبط توقيت خفقان الأجنحة كذلك. فلقد فوجئ العلماء بأن الطيور عند تغيير مواقعها داخل السرب تغير من دورة خفقان الأجنحة بحيث تلحق بالتيار الصاعد إلى أعلى. وتشير تلك الآلية المعقدة التي تتبعها الطيور في تكوين أسرابها للحفاظ على طاقتها، إلى معرفة ووعي بديناميكية الهواء والقدرة على الاستجابة لها، معرفة لم يكن يتصور العلماء وجودها في تلك الكائنات.