الكتاب : دروس للشيخ إبراهيم الدويش
المؤلف : إبراهيم بن عبد الله الدويش
أسباب السلبية ودنو الهمة
ثم إني أسوق إليك أيها المحب! أسوق إليك أيضاً أسباباً للسلبية ودنو الهمة، لماذا الرجل الصفر أصبح رجلاً صفراً؟ لماذا كثير من المسلمين والمسلمات أصبحوا فعلاً أصفاراً لا قيمة لهم على هامش الحياة، لا معنى لهم، لا قيمة لهم، لا يقدمون شيئاً لأنفسهم فضلاً على أن يقدموا شيئاً لعقيدتهم ودينهم وهدفهم ومبدئهم؟ لماذ؟ اسمع إلى هذه الأسباب التي اجتهدت فيها وأسأل الله أن يوفقني للصواب.
الجهل والغفلة عن الغاية التي خلق من أجلها
أول هذه الأسباب: الجهل أو الغفلة عن الغاية التي من أجلها خلق.
فأقول لكل إنسان ولكل إنسانة: ألست مسلماً؟ أو لستِ مسلمة؟ ألم ترض بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً؟ ألا تعلم أن الغاية التي من أجلها خلقنا هي تحقيق العبودية لله عز وجل في الأرض؟ هذا هو الهدف الذي من أجله خلقنا: عبودية الله، تحقيق العبودية لله تعالى على هذه الأرض.
ألا تعلم أن العبادة هي الغاية التي من أجلها خلقت أيها الحبيب؟! إن بعض الناس قد يجهل الهدف الذي من أجله خلق، وبعض الناس قد يعلم ولكنه يغفل وتغفله شهوات الدنيا ولذاتها عن ذلك الهدف.
ألا تعلم أن المعنى الصحيح لذلك الهدف الذي من أجله خلقنا وهي عبادة الله عز وجل كما عرفها أهل العلم، لا كما يريدها أعداء الله عز وجل.
إذاً: فالغاية التي من أجلها خلقنا هي عبادة الله؛ ولكنها ليست العبادة فقط في المسجد، وليست الصلاة والصيام والحج والزكاة، لا وألف لا، وإنما العبادة التي يريدها الله عز وجل: العبادة بمفهومها الشامل، العبادة التي عرفها أهل العلم يوم أن قالوا هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
هكذا يريد الله عز وجل أن تكون العبودية، يوم أن تكون العبودية في كل شأن من شئون حياتك أيها المسلم! تكون العبودية لله عز وجل في مسجدك، وفي بيتك، وفي وظيفتك، وفي شارعك، وفي تجارتك، وفي كل مكان {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] هكذا هي العبودية، هكذا هو الهدف الذي من أجله خلقنا، وهكذا يريده الله عز وجل، عندها يعلم الإنسان أن كل حركة وكل سكنة وكل نفس، كل شيء يعمله، يؤجر عليه إن أخلص النية لله عز وجل فيه، ويصير عبادة لله عز وجل، حتى وأنت تجامع أهلك، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) .
حتى وأنت تمارس الرياضة، ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم: (وإن لجسمك عليك حقاً) حتى وأنت تخرج مع إخوانك وأصدقائك للجلسات والاستراحات، فإنه لإدخال الراحة والاستجمام والانبساط إليهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ابتسامك في وجه أخيك صدقة) .
المهم أخلص النية في ذلك لله عز وجل، واحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى، والمهم أن يكون ذلك العمل مُرضٍ لله عز وجل، أن يكون الله سبحانه وتعالى راض عن هذا العمل.
إذاً: بعد ذلك اعمل ما شئت، وقل ما شئت بهذين الشرطين: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون الله عز وجل راض عنه، اعمل وتابع في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي العبادة.
ألا تعلم أن العبادة غاية الذل لله مع غاية الحب له، فأي حب لله هذا الذي أقعدك؟ أين البينة على هذه المحبة؟ فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، فلا تقبل الدعوى إلا ببينة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] فإذا غرست شجرة المحبة في القلب وسقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، أثمرت أنواع الثمار، وهذا ما نريده.
اسمع لأمنية ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت -يقول ربيعة رضي الله تعالى عنه- فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة) انظر للأمنية وانظر للهمة العالية، فإن ربيعة رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما يقول أيضاً الحديث في لفظ عند أحمد في مسنده يقول ربيعة: (أنظرني يا رسول الله! حتى أنظر في أمري، يقول: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به، قال: فأتيت رسول الله، فقال لي: ما فعلت يا ربيعة؟ فقلت: أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ -وقد كان ربيعة شاباً- من أمرك بهذا يا ربيعة؟ قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد، ولكنك قلت سلني أعطك، وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به، ففكرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة وأن لي فيها رزقاً سيكفيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي.
قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود) .
هذه هي أمنية ربيعة، وهذا هو الهدف الأول عند ربيعة رضي الله عنه وأرضاه.
إذاً: فالهدف دائماً يكون في مخيلة كل مسلم، الهدف الذي من أجله خلقت هو الفيصل في كل أعمالك وأقوالك وأفعالك وتصرفاتك، فلا بد أن يكون الهدف واضحاً لكل مسلم فهو الضابط له في أعماله، وهو الضابط لحبه وبغضه، لأكله وشربه، لشكله ولبسه، لذهابه ومجيئه، لقيامه وجلوسه، لزوجه وأولاده، لأصحابه وخلانه، لكل شئون الحياة صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، أما إذا ضاع الهدف أولم يتضح له فإن الإنسان يتخبط، فمرة في ضياع، ومرة في هموم، ومرة في صلاح، ومرة في شقاء، وهكذا لا يدري من يرضي ذلك المسكين، حتى وإن كان له عقل وبصر، هكذا إذا ضاع الهدف من الإنسان.
إذاً: فأول أسباب السلبية ودنو الهمة هو ضياع الهدف، أو الجهل بالغاية التي من أجلها خلقت أيها الأخ الحبيب!