الضعف والفتور
مظهر عاشر وأخير: من مظاهر الرجل الصفر في مثل هذا الواقع: الضعف والفتور أثناء أوقات العافية، أو في مراحل العمل الجاد، فإنك تكاد لا ترى للرجل الصفر نشاطاً ولا تعرف عنه جداً، فإذا ما وقعت مصيبة أو وقعت فتنة أو كان الخلاف، رأيته وأصحابه ينشطون وحول الحرص على الدعوة يتحدثون، وفي التخطيط ومعرفة العمل هم يلهجون، وفي الناس يصنفون ويقسمون، وصدق الشاعر يوم أن قال:
وإخوان عهدتهم دروعا فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاماً راميات فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا: قد صفت منا قلوب لقد صدقوا ولكن عن ودادي
ولكني أقول كما قال الآخر أيضاً:
عداتي لهم فضل عليّ ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
والوقائع والأحداث والفتن هي التي تميز بين أناس وأناس، فإن لكل من الحق والباطل رجالاً، كما أن الحق يحمله رجال وينافحون عنه، فكذلك الفتن لها رجال يحملونها ويدعون الناس لها، ويتحملون كبرها، ولكن بين حملة الحق والصابرين عليه ودعاة الفتنة جمهور يتنازعهم الخير والشر، ومن هنا ينبغي الحذر من دعاة الفتن ومن يتأثر بهم من الرعاع، وضعاف النفوس وأتباع الهوى، وما أجمل ذلك القول لـ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي نقله الشاطبي في كتاب الاعتصام، فقال -أي: علي -: [إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، والناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، أف لحامل حق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا يدري أين الحق، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، شغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به] إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى ورضي الله تعالى عنه.
هذه عشرة مظاهر من مظاهر الرجل الصفر.