السؤال: ما حكم تعلم علم النجوم؟ وما الحكمة من خلقها؟
الإجابة: علم النجوم على نوعين:
النوع الأول: علم التأثير وهذا النوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة، بمعنى أنها هي التي تخلق الحوادث فهذا شرك مخرج عن الملة؛ لأنه جعل المخلوق خالقاً فادعى أن مع الله خالقاً آخر.
القسم الثاني: أن يستدل بحركاتها وتنقلاتها على ما يحدث في المستقبل مثل أن يعتقد أن فلاناً ستكون حياته شقاء؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، ونحو ذلك فهذا قد ادعى علم الغيب ودعوى علم الغيب كفر مخرج من الملة، لأنه تكذيب لقوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}، وهذا من أقوى أنواع الحصر لأنه بالنفي والاستثناء، فإذا ادعى علم الغيب فقد كذب القرآن.
القسم الثالث: أن يعتقد أنها سبب لحدوث الخير والشر أي إنه إذا وقع شيء نسبه إلى النجوم، ولا ينسب إلى النجوم شيئاً إلا بعد وقوعه، فهذا شرك أصغر لأنه أضاف الحوادث إلى ما ليس سبباً لها شرعاً ولا حساً.
فإن قيل: ينتقض هذا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده" فمعنى ذلك أنهما علامة إنذار.
فالجواب:
أن هذا لا يدل على أن للكسوف تأثيراً في الحوادث من الجدب والقحط والحروب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، لا في ما مضى، ولا في المستقبل، وإنما يخوف الله بهما العباد لعلهم يرجعون.
النوع الثاني: علم التسيير بأن يستدل بسيرها على شيء ما فهذا على قسمين:
القسم الأول: أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية، فهذا مطلوب، وإذا كان على مصالح دينية واجبة كان ذلك واجباً، كما لو أراد أن يستدل بالنجوم على جهة القبلة، فالنجم الفلاني يكون ثلث الليل قبلة، والنجم الفلاني يكون ربع الليل قبلة فهذا فيه فائدة عظيمة.
القسم الثاني: أن يستدل بها على المصالح الدنيوية وهذا لا بأس به وهو نوعان:
النوع الأول:أن يستدل بها على الجهات، كمعرفة أن القطب يقع شمالاً، والجدي وهو قريب منه يدور حوله شمالاً وهكذا، فهذا جائز، قال تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون}.
النوع الثاني: أن يستدل بها على الفصول؛ وهو ما يعرف بتعلم منازل القمر، فهذا كرهه بعض السلف،و أباحه آخرون، والذين كرهوه قالوا: يخشى إذا قيل طلع النجم الفلاني فهو وقت الشتاء، أن بعض العامة يعتقد أنه هو الذي يأتي بالبرد، أو بالحر، أو بالرياح، والصحيح عدم الكراهة.
أما الحكمة من خلقها فالله عز وجل قد خلق هذه النجوم لحكم كثيرة منها:
الأولى: زينة للسماء قال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين}، ولا يلزم من ذلك أن تكون النجوم مرصقة في السماء.
فإن قيل: فما الجواب عن قوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا}، قلنا: إنه لا يلزم من تزيين الشيء بالشيء أن يكون ملاصقاً له، أرأيت لو أن رجلاً عمر قصراً وجعل حوله ثريات من الكهرباء كبيرة وجميلة وهي حول القصر وليست على جدرانه فالناظر إلى القصر من بعد يرى أنها زينة له وإن لم تكن ملاصقة له.
الثانية: أنها رجوم للشياطين، أي لشياطين الجن الذين يسترقون السمع، فهم لهم قوة عظيمة نافذة، قال تعالى عن عملهم لسليمان: {والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد}، وقال تعالى: {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي من سبأ إلى الشام،وهو عرش عظيم لملكة سبأ فهذا يدل على قوته،وسرعته ونفوذه. قال تعالى عن الجن: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً}.
الثالثة: علامات يُهتدى بها، قال تعالى: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون * وعلامات وبالنجم هم يهتدون}، فالعلامات: تشمل كل ما جعل الله في الأرض من علامة كالجبال، والأنهار والطرق وهن علامات أرضية، ثم ذكر العلامة الأفقية في قوله تعالى: {وبالنجم هم يهتدون}، والنجم اسم جنس يشمل كل ما يُهتدى به ولا يختص بنجم معين؛ لأن لكل قوم طريقة في الاستدلال بهذه النجوم على الجهات سواء جهة القبلة، أو المكان براً أو بحراً، وهذه نعمة من الله أن جعل أشياء علوية لا يحجب دونها شيء لأنك في الليل لا تشاهد جبالاً، ولا أودية، ولا رملاً وهذا من تسخير الله تعالى، قال تعالى: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه}